نار «الشقا» ولا جنة البطالة - مصر النهاردة

القاهرة 24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عزيزي الزائر أهلا وسهلا بك في موقع مصر النهاردة نقدم لكم اليوم نار «الشقا» ولا جنة البطالة - مصر النهاردة

في شهر الاحتفالات.. عمال مصانع الطوب:

اليومية من 150 إلى 200 جنيه.. 50 منها للمواصلات والباقى لا يكفى العيش الحاف

محمد: العلاج حلم صعب التحقيق

سيد: قاطعنا اللحوم والدواجن بسبب غلاء الأسعار .. وعضو مجلس الشيوخ: إنشاء صندوق لإعانة العمالة غير المنتظمة

 

وسط أرض صفراء كالحة ليس فيها معالم للحياة، يتمسك عمال محاجر ومصانع الطوب بالأمل ويواصلون العمل أمام أفران الطوب فى درجة حرارة شديدة، يواجهون قسوة الحياة بسخرية ونكات فى بيئة عمل لا ترحم، ملامح وجوه زادها الشقاء عمرا فوق أعمارهم، شباب وشيوخ أكل على ظهورهم الدهر وشرب، أفنوا زهرة شبابهم ليُأمنوا لقمة عيش حلال لأبنائهم، منهم من أصابتهم الأمراض ومنهم من ينتظر، ولكنهم ما زالوا يحلمون بغد أفضل، شعارهم نار الشقا ولا جنة البطالة، العمل لديهم عقيدة رغم أنهم يعملون فى ظروف شاقة، نار الفرن تلفحهم، وتراب المحاجر يسد رئاتهم، ولكنهم ما زالوا متمسكين بالأمل.

«الوفد» قضت يوما مع عمال مصنع الطوب بقرية جرزا، التابعة لمركز العياط، على مشارف محافظة بنى سويف، وجدناهم يعملون فى ظروف عصيبة أمام أفران تصل حرارتها إلى ألف درجة، لإلقاء الضوء على معاناتهم وأحوالهم، خاصة فى ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة. 

يقول «محمد» عامل الفرن بمحجر الطوب الأحمر: نعمل من الثانية بعد منتصف الليل وحتى 12 ظهرًا، هذه هى مواعيد العمل فى المصنع، أما نحن كعمال فنعمل طريحتين «أى ورديتين» الواحدة بــ150 جنيهاً، وكل منا يعمل «طريحة» كل يوم لمدة ثلاثة أيام فى الأسبوع.

وأوضح أن 150 أجرة اليومية، لا تكفى شيئا فمواصلاته 14 جنيها ويشترى إفطاراً وشاى وسكر، وفى آخر اليوم أعود لأبنائى بــ70 أو 80 جنيها، قائلا: «بروح للعيال بفلوس الغداء وعشاهم على الله.. ولو المصنع واقف نقعد فى بيوتنا، رأس مالنا اليومية، اشتغلنا نأكل ونشرب.. غير ذلك رزقنا على الله، وفى الأسابيع التى أعمل فيها بانتظام يمكن أن أشترى لهم كيلو لحمة حتى لا ينسوا طعمها».

وطالب «عم محمد» بزيادة أجور العمال فى محاجر ومصانع الطوب، قائلا: إن اليومية تكفل لأبنائنا عيش حياة كريمة، ومؤكدا أن أصحاب المحاجر يحققون مكاسب كبيرة فى كثير من الأحيان، وحتى فى الأوقات العادية فهم لا يخسرون، وفى حالة المكاسب لا يعطون العامل جنيه واحد زيادة. 

وأضاف: أسعار كل شيء زادت ويوميتنا لم تزد شيئا، وما يتبقى منها بعد مصاريفى الشخصية لا يكفى لشراء كيلو أرز وربع شعرية وكيلو سكر وثمن شاى. 

وتساءل: «كيف لعامل شغال فى فرن ناره ألف درجة مئوية، أو عامل عتل «حمل» لا يأكل اللحوم أو الدواجن، لازم نحافظ على صحتنا هى دى رأسمالنا، والأكل ضرورة ولكننا لم نعد نستطيع شراءه». 

وطالب الحكومة بإلغاء دعم المازوت للمصانع والمحاجر الخاصة، لأنها لا تراعى العامل وتسرق مجهوده، قائلا: «نحن نعمل فى أراضى الفلاحين، ونحصل على يومية 200 جنيه فى اليوم، بالإضافة للأكل والشرب ونعمل نصف يوم، الشغل عند الفلاح أرحم، أعمل بالفأس وأعزق الأرض وأجمع المحصول وآخذ 200 جنيه، أفضل من العمل فى المصنع مقابل 150 جنيها وصاحب المصنع «بيكون مستخسرهم». 

الكاشيرة

يجلس طفل على السير الذى يحمل التراب لتحويله إلى طوب، يفصل عنه ما يسمى بـ»الكاشيرة»، وهى عبارة عن قطعة طوب كبيرة تعرقل الحركة، ومنها إلى الخلاطة التى تهرس التراب وتجعله عجينة، ومنها إلى ماكينة تقطيع الطوب وصبه فى قوالب، ليخرج فى شكله الأول أخضر، ويتم رصه تحت الشمس حتى يجف ثم يُصهر فى الفرن على مرحلتين. 

يقول طفل الكاشيرة: إن يوميته 60 جنيها فقط، واضطر إلى ترك المدرسة، والخروج إلى العمل لمساعدة والده على مواجهة أعباء الحياة وتوفير متطلبات اخواته، لأنه الابن الأكبر بينهم.

200 ألف طوبة 

ويقول عمال نقل الطوب الأخضر، إن يومياتهم تحدد على حسب الإنتاج، فالألف طوبة تحسب بجنيه واحد فقط، ويؤكد أحد العمال أنهم كى يحصلوا على 200 جنيه يوميا لابد من إنتاج 200 ألف طوبة، موضحا أن يومية الأطفال لا تتجاوز الـ70 جنيها، وسائق الباجور يوميته مئة جنيه، وعامل رش المياه يوميته 80 جنيها.

وأوضح عامل آخر، أن إنتاج ألف طوبة يحسب لعمال النقل بــ 3 جنيهات يتم توزيعها على ثلاثة عمال من العتالين، وعليهم أن ينتجوا 200 ألف طوبة ليحصلوا على 600 جنيه، حيث يتم تقسيم اليومية عليهم بالتساوى، ويؤكد أنهم فى حال عدم إنتاج 200 ألف طوبة لا يحصلون على هذه اليومية، وتتم محاسبة بالإنتاج فقط. 

الطوب الأخضر

فور خروجه من الخراطة التقينا بعامل رش التراب على الطوب الأخضر الذى يقوم بنقله على آلة النقل التى تسمى بالباجور، ويقول: شغلنا بالإنتاج، وفى حال وقوف الخط أو حدث آى عطل لا تحسب لنا يومية، وإذا لم نحقق إنتاج الــ200 ألف طوبة، تحسب اليومية على الإنتاج. 

وأضاف: فى أيام نحقق الانتاج المطلوب، وأيام أخرى ننتج 100 ألف طوبة أو 150 ألف فقط حسب قدرة خط الإنتاج، فالرزق من عند ربنا، ولكن المشكلة أننا نحاسب على أعطال خط الإنتاج، رغم أننا لسنا مسئولين عنها، وصاحب المصنع ليس له دخل رغم أن العطل يكون بسبب انعدام الصيانة أو قطع الكهرباء أو نفاذ المازوت. 

ويستطرد العامل قائلا: لو أنتجنا ألف طوبة نحاسب عليها، ولو أنتجنا 100 ألف يكون لها حساب آخر، وإذا توقف المصنع لأى أسباب ولم ننتج شيئا نعد لمنازلنا من غير جنيه، ونتحمل المواصلات والأكل والشرب وكل احتياجاتنا اليومية. 

الأجر ثابت

ويلتقط أطراف الحديث محسن «عتال» قائلا: نصلى الفجر ونأتى إلى المصنع، ويوميتنا ثابتة كما هى منذ سنوات حتى فى ظل غلاء الأسعار والحالة الاقتصادية التى يعيشها الجميع، الأجر ثابت.. الألف طوبة بــ3 جنيهات، وصاحب المصنع يرفض رفعها رغم الغلاء الذى نعيش فيه، وإذا طلب أحد العمال زيادة فى الأجر يطرده صاحب المصنع.

قاطعنا اللحوم 

يشكو «سيد» ظروفه الصعبة قائلا: إن العتالين يقومون بإنزال الطوب من فوق الباجور ويرصونه تحت الشمس حتى يجفف، مقابل 75 قرشا للألف طوبة، ولو طالبنا بزيادة يكون رد صاحب المصنع «اقعد فى البيت وشوف هتاكل إيه». 

وأشار إلى أن كل العمال لديهم أبناء فى المدارس، وأعلى يومية يحصل عليها عامل فى المصنع لا تتجاوز الــ150 جنيها، والعمل يبدأ من الفجر وحتى أذان العصر، ويتساءل: نأكل ونشرب شاى ومواصلات بــ خمسين جنيهاً على الأقل، والباقى يوجه لمصاريف البيت والمدارس والدروس ولا يتبقى شيء، قائلا: «قاطعنا اللحمة والفراخ ولا نشتريها، والعيشة على الأد والحمد لله على كل حال».

ويقول عامل آخر: صافى اليوم 200 جنيه فى حال أنتجنا 200 ألف طوبة، وفى معظم الأحيان لا ننتج هذه الكمية لتنخفض اليومية ما بين 100 إلى 150 جنيهاً فقط، وهى لا تكفى حتى طعام الأبناء، ويواصل: كيلو اللحمة بــ 300 جنيه، ناهيك عن الكهرباء والمياه ومصاريف تعليم الأبناء، غير أكلنا ومواصلتنا للمصنع، ويمكن فى الأسبوع كله نشتغل ثلاثة أو أربع أيام، وباقى الأسبوع نقعد فى البيت.

التأمين من عند ربنا 

يضيف عتال آخر قائلا: لو مرض أحدنا، لا أحد يكون مسئولا عنه، يقعد فى بيته بدون طعام أو علاج، فلا توجد لدينا تأمينات ولا تعيينات، التأمين فى مصانع الطوب من عند ربنا، وأى عامل يصاب فى حادث ربنا يتولاه، ويقول: «ذراعى اتكسر صاحب المصنع تركنى وذهب، ورحت المستشفى جبست ذراعى على حسابى وقعدت فى البيت شهرين ولم يعطنى أحد جنيها واحدا».

حياة فى مهب الريح

يقول النائب خالد عيش، ممثل العمال بمجلس الشيوخ، ونائب رئيس اتحاد عمال مصر، إن عمالة الورش بمحاجر ومصانع الطوب تعتبر غير منتظمة، تعمل وفقا لمتطلبات صاحب المصنع باليومية، والعامل يعمل لمدة يومين أو ثلاثة فى الأسبوع وباقى الأيام يبقى فى المنزل حسب طلبات العمل. 

وأوضح أن الرئيس عبدالفتاح السيسى، وجه بإنشاء صندوق إعانة الطوارئ للعمالة غير المنتظمة كمظلة حماية اجتماعية لهم، وسيتم تفعيل هذا الصندوق فور انتهاء الإجراءات القانونية، بالإضافة إلى إصدار وثيقة جديدة من شهادة «أمان» لتغطية التأمين على الحياة وإصابات العمل للعمالة غير المنتظمة.

من جانبه، يقول المهندس هشام السيد إبراهيم، عضو اللجنة العليا للسلامة والصحة المهنية بالنقابة العامة للمهندسين: إن ورش الطوب تفتقد لنظم السلامة والصحة المهنية للعمال، وتقع حوادث جسيمة بسبب ماكينات تقطيع الطوب الأبيض فى محاجر المنيا، ومن المفترض أن أى عامل يتعرض لحادث عمل يسبب له إعاقة، عليه إبلاغ مكتب السلامة والصحة المهنية بمديرية القوى العاملة بالمحافظة، وستتم محاسبة صاحب المحجر ودفع تعويض للعامل وإقرار معاش له حتى لو لم يكن معينا فى مكان العمل، لأن أغلب هذه العمالة تعمل وفقا للطلبيات التى يقبلها صاحب المحجر فقط، ولكن علاقة العمل تثبت فى حال الحادث. 

ويُضيف خبير السلامة والصحة المهنية أنه فى حاله إبلاغ العمالة عن أى حوادث أو انتهاكات لحقوقهم، تقوم مكاتب السلامة والصحة المهنية بمديريات القوى العاملة بالمحافظات بإرسال لجنة مختصة لإجراء تفتيش وكشف عن مخاطر بيئة العمل، وتقوم هذه اللجان بعدة إجراءات قانونية وتحريك دعاوى ضد هذه المحاجر، وقد يصل الأمر إلى إغلاقها لافتقادها لنظم الصحة والأمن العام للعمالة.

وأوضح المهندس هشام إبراهيم أن هؤلاء العمال يتعرضون لكوارث صحية نتيجة مخاطر بيئة العمل، ومنها: تحجر الرئة نتيجة انتشار الغُبار فى المصنع، والإصابة بالإجهاد الحرارى بسبب العمل تحت أشعة الشمس الحارقة أو ضربات الشمس التى قد تؤدى إلى الوفاة، أو الإصابة فى حادث ميكانيكى.

وأضاف أن قبول العمالة بالأمر الواقع نوع من الإجبار النفسى، ويعملون على حساب صحتهم وحياتهم من أجل أبنائهم، لكن كل ما يرغبون فيه هو الأجور العادلة وتحقيق معايير السلامة لمواجهة المخاطر التى تواجههم فى مواقع العمل، ولابد من تدريبهم وتأهيلهم للتعامل مع ماكينات تقطيع الطوب، مع وجود عوامل الأمان فى هذه الماكينات، مثل: المناشير الألمانية التى تتوقف أتوماتيكيا عند اقتراب الأيدى البشرية منها. 

وأشار إلى أن صناعة الطوب الأحمر ليس فيها مخاطر ميكانيكية، لكن هناك مخاطر الحرارة والضوضاء والعمل تحت أشعة الشمس، ومخاطر ماكينات كبس طينة الطوب الأحمر ومخاطر السيور، وحرارة الفرن العالية. 

وأوضح أن عمالة الطوب الأحمر يحتاجون إلى تحديد مخاطر بيئة العمل، مع توفير كافة معايير السلامة والصحة المهنية من: خوذة الرأس للوقاية من اشعة الشمس، وقفازات لليدين للحماية من الأخطار الكميائية، وتوصيل تهوية صناعية فى بيئة العمل، وإنشاء مظلات تقيهم حرارة الشمس، وتوفير مياه شُرب صالحة لهم، بالإضافة إلى أدوات الاسعافات الأولية فى مكان العمل، وتوفير أماكن استراحة، وتطبيق نظام للعمل ساعة والاستراحة ساعة رأفةً بالعمال، خاصة خلال فصل الصيف. 

أجور ويوميات

وحول تدنى أجور ويوميات عمال المحاجر، يؤكد «إبراهيم» أنه بإمكان العمال تقديم شكوى إلى مكتب السلامة والصحة المهنية بمديرية القوى العاملة فى المحافظة، حتى يتم تشكيل لجنة للبت فى المسألة ومحاسبة المسئولين بهذه المصانع. 

وأضاف: إن منظمة العمل الدولية فى حال معرفتها بعدم توافر معايير السلامة والصحة المهنية للعمالة فى أى قطاع، يمكن وضع الدولة كلها فى القائمة السوداء، وقد يتم وقف التصدير للخارج، وتابع: قطر كانت ستمنع من تنظيم كأس العالم بسبب معايير السلامة للعمالة الفليبينية فى ملاعب كرة القدم، ويسمى ذلك عمل محرم دوليًا.

وأوضح أنه لابد من تعيين قوة عمل أساسية فى كل مصنع كحد أدنى، فلو كان المحجر أو المصنع ينتج مليون طوبة يوميا يتم تحديد 50 عاملا كقوة للانتاج، وفى هذه الحالة يتم تعيينهم والتأمين عليهم. 

وأكد «إبراهيم» أن عمل الأطفال فى محاجر ومصانع الطوب مجرم، وهذه الحالات تؤدى إلى حبس صاحب العمل، لأنه ممنوع بقوة القانون الدولى والمصرى، ويعد هذا مخالفة للقوانين خاصة القانون رقم 12 لسنة 2003، مطالباً العمال بالتوجه إلى مديريات العمل المختلفة لتقنين أوضاعهم وضمان تأمين حياتهم وحياة أسرهم.

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق